الخميس، 21 مايو 2015

الطبري السلفي : بحث في عقيدة الإمام الطبري كما ظهرت في تفسيره جامع البيان ج2 - العلو



العلو
مقدمة: اعلم رحمك الله أن أمة الإسلام أجمع سلفها على إثبات العلو والفوقية لله سبحانه وتعالى، وأنها بذلك وافقت ما استقر في فطر البشر منذ خلق الله آدم وحتى تقوم الساعة، وأنها فطرة لا تكفي لدفعها الشبهات، وكل ما قيل في ردها فهو دونها في الوجدان، وتحتها في الظهور والبرهان، وقد دلت على ذلك الأدلة العقلية الضرورية، فالموجودان إما متباينان وإما متحايثان، إما أن يكون أحدهما داخلًا في الآخر أو خارجًا عنه، فإن لم يكن خالق العالم حالا فيه؛ فهو مباين له عال عليه تقدس سبحانه، وقوة هذا الكلام كقوة قولك: الموجود إما قائم بنفسه أو بغيره، إما واجب أو ممكن، إما قديم أو حادث، وهو كقولك: الموجودان إما أن يكون أحدهما قبل الآخر أو بعده أو يقارنه، وهذا المثال الأخير بالذات يعترف بحصره المخالف، ولا يقول: لا قبل ولا بعد كما يستجيز أن يقول: لا داخل ولا خارج، مع كونهما من جنس واحد، فالقبل والبعد والاقتران إضافات لا ترتفع ولا تجتمع، ولا يلزم منها أنه محويٌ في زمان وجودي، وإنما هو تقدير الزمان، وقبلية ككون الآنة الزمانية قبل التي تليها، فيثبتون لله قبلية ذاتية لا زمانية، فهلّا أثبتوا فوقية ذاتية لا مكانية؟ فوقية من لا يحويه مكان وجودي، كما جاز أن يكون المكان فوق المكان، والعالم غير محوي بوجودي كيلا يتسلسل مكانًا في مكانٍ لا إلى نهاية، فهلّا أثبتوا فوقية لا يلزمها هذا الذي لم يلزم الأمكنة التي يكون بعضها فوق بعض فوقية ذاتية، سؤالٌ وإلزام كلامي يتطلب جوابًا ...
ثم ماذا نفعل بفطرنا وهذه القسمة الحاصرة -داخل أو خارج- ضرورية راسخة لا يمكننا أن ننفك عنها ونجحدها، أنلغيها للوازم وأدلة كلامية ومقدمات هي دونها في الضرورة؟ أنلغي هذا الحصر البدهي الذي لا يتصور العقل رفعه لمجرد أنه يلزم منه كذا وكذا وكذا؟ أليس أسهل علينا نفي لزوم هذه (الكذاءات)؟
فمن قال إنه يلزم كذا وكذا؟ وما الدليل على هذا اللزوم؟ سيقال: هذا فرع الجسمية، سنقول: هذا فرع الوجود، سيقال: هذا فرع التحيز، سنقول: لفظ مجمل لم يعرفه العرب قبل نابتة الكلام، ونفيه ابتداءً مصادرة، سيقال: هذا اللزوم بين، فنقول: هذه القسمة أبين، سيقال: هذا يلزم منه الحدوث، سنقول: ندفع اللازم بالدليل، وكلامكم يلزم منه العدم! ويستمر التراشق الذي لا يرفعه إلا وحي منزل، الوحي الذي أنزله الله ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، لا سيما في هذه المسائل العقدية، لا سيما في مسألة يعتقدها أهل الكتاب والوثنيون والبشر من لدن آدم، فهل يا ترى يسكت عنها الوحي دون بيان؟ دون أن يقول: هذه عقيدة فاسدة وإثبات الفوقية بدعة؟ فإن كان يمتنع سكوته عنها دون بيان، أيعقل أن تكون كل ظواهره في موافقتها والدلالة عليها؟ ظواهر أقر بعضهم -التفتازاني والرازي- أنها تدل على العلو الحقيقي لكونه من مصلحة العوام! أيقر عاقل هذه الباطنية؟ أم يقر العقل قول العز بن عبدالسلام بأن العقيدة الحق -لا داخل ولا خارج- مما يعسر على السواد الأعظم؟ فهلّا سكت الوحي عن هذه المسألة على الأقل فلم ينصرها بظواهره كيلا يقال: ظهر منه كفر وبدعة! وكيلا يلتزم هذا ويقال بأن الأخذ بظواهر الوحي من أصول الكفر -كما قاله السنوسي وغيره-؟
أسئلة تنبه طالب الحق وتوقظ النائم لغور هذه المسألة التي تُنَاقَشُ بسطحية وكأنها آية يتيمة واحدة يتنازعها المفسرون تنازعهم في فهمٍ اجتهادي لمسألة فقهية ....
وليعلم القارىء أن علو القدر وفوقية وارتفاع المكانة= لم يكن شيء منهما محل خلاف مع أشذ طوائف الأمة، ومن أنكرهما كفر كفرًا مخرجًا من الملة ضربة لازب! وهي من المعلوم من الدين بالضرورة، فصرف كلام الأئمة الذين نصوا على إثبات العلو والفوقية في معرض ردهم على الجهمية وتفسير الآيات الظاهرة إلى مثل هذا المعنى المجازي= جهل مدقع، فأي فائدة في أن يقول الإمام: الله فوق عرشه بائن من خلقه، ويريد بذلك فوقية المكانة والوصف؟ وما معنى تخصيصه بالعرش؟ وما معنى قرنه بإثبات المباينة؟ وما معنى قرن بعضهم هذا الكلام بقوله: بحد؟ ثم ما معنى نزول الوحي بإثبات الاستواء والفوقية والعلو وأنه في السماء سبحانه وأن هناك ما يعرج إليه كما هناك ما ينزل من عنده، وعروج النبي للعلياء، وإقراره الجارية التي سألها: أين الله؟ فقالت: في السماء، وإشارته بإصبعه ثم التنكيت قائلًا: اللهم هل بلغت! وغير ذلك من نصوص الوحي المتكثرة في الدلالة على هذه المعاني، ورغم كفاية السابق= نجد أنه قد تواتر عن السلف نفس الكلام، وينطق الصحابة والتابعون وتابعو التابعين في آثار جمعتها مجلدات بهذا المعنى، بل ويصرح به قدماء المتكلمين، ويستدلون له بأنواع من الأدلة في الرد على الحلولية مما لا يفيد إلا إثبات الفوقية الحقيقية، ونضرب لذلك مثلًا باستدلال ابن كلاب بالدليل العقلي لهذه الصفة، فأنى تكون خبريةً مفوضةً يوقف عند لفظها فقط! وأمثِّلُ كذلك باستدلال الباقلاني على الحلولية بأنه لو كان سبحانه في كل مكان؛ لصح أن يرغب إليه من تحت وعن يمين وعن شمال أو من أمام أو خلف، تاركًا الفوق رحمه الله لأنه يثبت الفوقية ويثبت أن يرغب إلى الله في علوه سبحانه، بعد أن أثبت الاستواء بمعناه الحقيقي  لا المؤول، وبعد أن رد على من أوله بالاستيلاء، فرحمهم الله جميعًا وأرانا الحق الذي أراهم.
وهنا يأتي الطبري رحمه الله ليؤكد هذا الكلام، وليرسخ عقيدة أهل السنة وأئمة الإسلام، وليبرهن في تفسيره على ما نطقت به الفطر واعترفت به بدائه العقول التي وقاها الله شر السفسطة، وفيما يأتي كلامه في هذه المسألة، مع التنبيه إلى أنني انتقيت كلامه الظاهر في إفادة هذا المعنى، دون ما يحتمله التأويل، ثم شفَّعت كلامه بما استدل به من آثار تشمئز منها بعض النفوس، ليعلم القارىء المنصف أوجه مباينة هذا الإمام للقوم، وليقف العاقل على عقيدته كما اعتقدها، لا كما يريد منه المخالف أن يعتقد.
1- قال الطبري رحمه الله في تفسير قوله تعالى: }هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ قال الطبري رحمه الله:
"وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه: "ثم استوى إلى السماء فسواهن" علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سماوات" ثم قال: "وإن قال لنا قائل: أخبرنا عن استواء الله جل ثناؤه إلى السماء، كان قبل خلق السماء أم بعده ؟ قيل: بعده، وقبل أن يسويهن سبع سماوات"
ماهر: فبعد أن أثبت العلو والارتفاع، وأن استواءه هذا (حادثٌ) بعد خلق السماء لا قبلها، تطرق لنقاش من نفى (المعنى المفهوم من كلام العرب) بحسب تعبيره، هربًا من أنه لو أثبت العلو والفوقية الحقيقية وأنه علو خاص حدث وخص الله به العرش= أن يلزم من ذلك أنه كان تحته ثم علا عليه، فينفي الطبري هذا اللازم، ونفي اللازم فرع إثبات المعنى الذي ظن المخالف أن هذا لازمه، فهو يثبت الفوقية الحقيقية التي قد يظن ظان أن هذا لازمها، ولكنه لا يلتزم هذا اللازم، ثم يناقش المخالف ويقول له: هذا الذي ألزمتني إياه وفررت لأجله من إثبات الاستواء بمعناه العربي المفهوم= هو نفسه يلزمك في تأويلك الذي تأولته، فيقول: "والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله: }ثم استوى إلى السماء{ الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، هربا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه -إذا تأوله بمعناه المفهم كذلك-أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها= إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر. ثم لم ينج مما هرب منه! فيقال له: زعمت أن تأويل قوله "استوى": أقبل، أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها؟"
ماهر: فانظر هذا الإلزام الجميل، فإنه لو كان يلزمنا أنه كان تحت السماء ثم ارتفع عليها، لزمك أيها المخالف المؤول أنه كان مدبرًا عنها ثم أقبل إليها، وهذه كتلك، ثم تناول جواب المخالف عن هذا الإلزام فقال:
"فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقل: علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال."
ماهر: فمراده هنا أنه: إن جاز لك أن تثبت الإقبال، ثم تزعم بأن الإقبال هذا ليس فعلًا وإنما تدبير، وذلك لتنفك عن لازم الإقبال الفعلي وهو أنه كان مدبرًا فأقبل، فلماذا لم تصنع هذا مع العلو وهو أولى إن كنتَ متسقًا؟
دفاعك عن الإقبال بتأولك إياه لدفع اللازم، أولى به العلو والارتفاع إن كنتَ صانعًا مثلَ هذا الصنيع!
فلم تصر على أن لازم العلو الحادث= أنه كان تحت العرش؟ وترفض تفسير الاستواء بالعلو والارتفاع لأجل ذلك مع أنهما معنى الاستواء اللغوي هنا، بينما قبلت تفسيره بالإقبال وتأولت الإقبال لدفع ما يلزم عنه.
فلو كنتَ متسقًا لقلت: علا عليها علو ملك وسلطان، لا علوًا يلزمه الانتقال الذي به يزول المنتقل ويشغل محلًا بعد تفريغ آخر، فارتفاع الله ليس كارتفاع مخلوقه، ولا يلزمه زوال ولا نقلة تفرغ محلًا وتشغل آخر.
لكنك متناقض، تصنع مع الإقبال للحفاظ عليه تفسيرًا ما لم تصنعه مع العلو والارتفاع.
وقد فهم بعض من لا حظ لهم من النظر أن الطبري هنا يثبت فوقية المكانة بقوله "فقل: علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال" وكثيرًا ما ينقل الكذب هذا الجزء دون إشارة لسياقه الحجاجي الإلزامي، لمخاتلة القارئ وإشعاره أن الطبري بدأ التفسير بهذا ورجح به معنى الآية، وأنه يريد بهذا الكلام علو المكانة لا الذات.
وهذا محال لسببين واضحين جدًا:
1- نصوصه في إثبات العلو الحقيقي الذاتي لا علو المعنوي وعلو المكانة، وهي كثيرة ليس هذا النص إلا واحدًا منها.
2- أن الاستواء عنده حادث بعد خلق السماء، فهل كان علو ملكه وسلطانه على العرش حادثًا والعياذ بالله! هذه مقالة كفر محال أن تكون مرادة للطبري، وهذه القرينة من أظهر القرائن التي تدل على أن الطبري لم يرد إلا الإلزام، ولو فرضنا أنه إلزام يتبناه؛ فإنه يستحيل أن يريد بعلو الملك والسلطان= العلو المعنوي وعلو المكانة كما يتأوله البعض، لأنه أثبت أن الاستواء حادث كان بعد أن لم يكن.
إذن ماذا قصد؟ نقول: قصد الإلزام لا أكثر، أي: كما غيرت في مفهوم الإقبال ونفيت عنه اللازم وصرفته إلى وجه لا يكون فيه مشكلًا، فلم لم تفعل ذلك مع العلو ولم تقبل إلا أن تتأوله تأولًا بعيدًا وتنفيه، فلا يريد الطبري هنا تحقيق هذا القول بقدر ما يريد به إظهار تناقض المخالف، وتعامله بميزانين مختلفين مع الإقبال والعلو، ولهذا مثال مشابه في كلامه عن السخرية والاستهزاء وبيان تناقض المخالف فيه التعامل معهما ومع ألفاظ أخرى كالعبث واللعب، وله مثالٌ أيضًا في إلزام المخالف النافي للمجيء والنزول، وتجد هذا كله في مقالٍ سابق يكشف منهجية الطبري الإلزامية التي لم يفهمها الكاذب عليه والباتر لهذا النص عن سياقه الجدلي.
هذا من جهة، وإن قلنا أنه يقصد تحقيق هذا الكلام لا الإلزام به وبيان تناقض الخصم، فإنه قد يريد بعلو الملك والسلطان علوًا خاصًا لا يلزم منه الزوال والانتقال بكيفيته في المخلوق، ولا ينافي في نفس الوقت العلو الحقيقي، فإثبات علو المكانة لا يلزم منه إثبات العلو الذاتي بطبيعة الحال، بل يجتمعان عندنا، وتبقى نصوصه الأخرى تدل على الإثبات بوضوح لو فرضنا إشكال هذا النص، وليس مشكلًا بحمد الله عند من رزق نعمة الفهم، ونزه نفسه عن التعصب.
ويكفي القارئ أن يعلم بأن المستدل بمثل هذا يظننا قائلين بالانتقال والزوال، ولسنا نقول بذلك، بل هو ينزل ويجئ سبحانه وهو على عرشه، وممن قد نستدل بهم لإثبات هذه المقالة: الطبري نفسه، إن جعلنا كلامه هنا تقريرا لا إلزاما.
ثم ختم الطبري قائلًا ومبينًا أن مراده الإلزام وبيان فساد قول الخصم لا أكثر: "ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله . ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه، لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال في ذلك قولا لقول أهل الحق فيه مخالفا. وفيما بينا منه ما يشرف بذي الفهم على ما فيه له الكفاية إن شاء الله تعالى."
ماهر: فيا ترى من يقول اليوم بهذا القول الذي يسميه الطبري: قولًا فاسدًا مخالفًا لقول أهل الحق؟

2- وفي تفسير قوله تعالى }تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ{ قال:
 "تصعد الملائكة والروح -وهو جبريل عليه السلام- إليه يعني إلى الله جل وعز، والهاء في قوله: (إليه) عائدة على اسم الله"
3- وفي تفسير قوله تعالى: }إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ{ قال:
"إلى الله يصعد ذكر العبد إياه وثناؤه عليه ... ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي ... قال لنا عبد الله: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله، إن العبد المسلم إذا قال: سبحان الله وبحمده، الحمد لله لا إله إلا الله، والله أكبر، تبارك الله، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحيه، ثم صعد بهن إلى السماء، فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيي بهن وجه الرحمن، ثم قرأ عبد الله (والعمل الصالح يرفعه)"
ماهر: الحديث المستشهد به يبين ويعضد فهمنا لكلام الطبري الظاهر رحمه الله.
4- وفي تفسير قوله تعالى: } أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ { قال:
"يقول تعالى ذكره: ( أأمنتم من في السماء ) أيها الكافرون ( أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ) يقول: فإذا الأرض تذهب بكم وتجيء وتضطرب ( أم أمنتم من في السماء ) وهو الله "
5- وفي تفسير قوله تعالى }وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا{ بعد نقاش رائق له عن المراد من المقام المحمود وبعد أن صحح القول بأنه الشفاعة ونقل القول الآخر بأنه "أن يقاعده معه على عرشه" وبعد أن نقل عن مجاهد قوله "يجلسه معه على عرشه" قال:
 "وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) لما ذكرنا من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، فإن ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك ."
ماهر: ثم ناقش الأقوال المختلفة وبين أنه لا استحالة لهذا المعنى على قول واحد منها، وألزم كل صاحب قول نظير ما يثبته، بطريقته الإلزامية التي تكلمنا عنها مرارًا ...
6- تفسير قوله تعالى }وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ{ وذكره القسمة إلى (داخل العالم أو خارجه) إثبات أنه في مكان مرتفع عن مكان خلقه :
قال أبو جعفر: "واختلف أهل البحث في معنى قوله: (وهو العلي). فقال بعضهم: يعني بذلك; وهو العلي عن النظير والأشباه، وأنكروا أن يكون معنى ذلك: (وهو العلي المكان) وقالوا: غير جائز أن يخلو منه مكان، ولا معنى لوصفه بعلو المكان ؛ لأن ذلك وصفه بأنه في مكان دون مكان."
ماهر: لاحظ أن القول الأول هنا هو قول الحلولية، ولا أظن أحدًا يزعم أن الطبري قائلٌ به.
ثم قال: "وقال آخرون: معنى ذلك: وهو العلي على خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه؛ لأنه -تعالى ذكره- فوق جميع خلقه وخلقه دونه، كما وصف به نفسه أنه على العرش، فهو عال بذلك عليهم." اهـ
ماهر: هذا هو القول الثاني، ولم يذكر غيرهما، فإما حلول وإما مباينة، إما داخل وإما خارج، ويظهر جليًا من استطراده في التدليل على القول الثاني أنه ذاهب إليه، فإن أضفت إليه نصوصه الأخرى التي نقلنا بعضها في التصريح بالعلو والارتفاع = اكتملت الصورة، ويلاحظ أيضًا أنه تساهل في إطلاق العلو بأنه في مكان مرتفع عن أماكن خلقه، وهذا تساهل في اللفظ لا أكثر، ولكن تحمر له أنوف.
7- الطبري وتفسير قوله تعالى {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا{:
"وقوله: (وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا) يقول: وإني لأظنّ موسى كاذبا فيما يقول ويدّعي من أن له في السماء ربا أرسله إلينا."
ماهر: فمن ستوافق أخي المؤمن؟ ستوافق موسى فيما قاله لفرعون كما فهم الطبري وكما يظهر من النص؟ أم ستوافق فرعون في تكذيبه لموسى وجحده أن يكون في العلو إله تشرئب إليه النفوس والفطر؟ وتذكر أن خصومنا يسخرون من المستدل بهذه الآية حين يصنع صنيع الطبري، بل ربما جعلوا الاستدلال بها من صنيع الحشوية، فكن أخي واثقًا وأنت تستدل بها لإثبات العلو، ما دام سلفك الطبري إمام المفسرين واللغويين رحمه الله. ومهما قيل في تأويل كلام الطبري هنا، فإنه يذهب هباءً بجمعه إلى بقية كلامه المنقول في هذا المقال.




8- وقال في تفسير قوله تعالى: }هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش{ :
"وقوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) يقول تعالى ذكره: هو الذي أنشأ السموات السبع والأرضين، فدبرهنّ وما فيهنّ، ثم استوى على عرشه، فارتفع عليه وعلا." اهـ
ماهر: فمن قال هو علو المكانة أو علو السلطان والملك والتدبير؛ قلنا له: الطبري يثبته فعلًا حادثًا للإله كان بعد أن لم يكن، فهل كان دون العرش مكانة أو كان ناقص السلطان والتدبير ثم حصل له ذلك والعياذ بالله؟ فهو تأويل بعيد جدًا، فضلًا عن ضعف البيان في تخصيص العرش بأنه علا عليه مكانة وتدبيرًا لاسيما في هذا السياق، وهو العالي على كل ما سواه بهذا المعنى سبحانه.
9- تفسير قوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ{:
"وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم، ويعلم أعمالكم، ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سمواته السبع" اهـ
ماهر: فقل لي ما دخل هذا السياق في إثبات علو المكانة إن كان مرادًا للطبري؟ إذ يفهم كل قارىء أنه أراد أن يدفع ما يمكن أن يفهم من المعية في الآية بأن أثبت فوقيته على عرشه وسماواته سبحانه، لبيان أن المعية علمية لا ذاتية، في حين أنه بذاته (على عرشه) و(فوق سماواته) سبحانه.
10- تفسير }مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا{ إثبات العلو على العرش والمعية بالعلم:
"وعني بقوله: (هُوَ رَابِعُهُمْ)، بمعنى: أنه مشاهدهم بعلمه، وهو على عرشه. كما حدثني عبد الله بن أبي زياد ... عن الضحاك، في قوله: ... (هُوَ مَعَهُمْ) قال: هو فوق العرش وعلمه معهم"

هناك 5 تعليقات:

  1. جزاك الله خيرا
    كنا عايزين عمل مشابه لهذا البحث عن ابن كثير لأنهم بيدعو انه اشعري برضه فأرجو لو توضح هذا في بحث مشابه

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. الدكتور عبد الآخر حماد له عمل في عقيدة بن كثير من خلال تفسيره

    ردحذف
  4. اخى هل لك صفحة اخرى اتابعك عليها

    ردحذف