[شبهة الصُلبِ والترائِب- بين مدلول اللغة وتمحل الطعن]
.
﴿ فَلۡیَنظُرِ ٱلۡإِنسَـٰنُ مِمَّ خُلِقَ ٥ خُلِقَ مِن مَّاۤءࣲ دَافِقࣲ ٦ یَخۡرُجُ مِنۢ بَیۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَاۤىِٕبِ ٧﴾
.
وهي من الآيات المذكورة في سياق بيان مهانةِ نشأة الإنسان، وقدرة الله البالغة على إخراج النوع من النوع، والعظيم من الضئيل، والمجتمع من المفرَّق، وسنته في كل ذلك الدالة على حكمته وعلمه، وأن القادر على كل هذا أهون عليه رجعُ من أنشأه ولم يك شيئًا.
.
[المدلول اللغوي]
.
فلقوله تعالى: ﴿یَخۡرُجُ مِنۢ بَیۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَاۤىِٕبِ﴾ معانٍ محتملة، ولتبيان ذلك لا بد من التقدمة بكلام عن استعمالات بعض ألفاظها أولًا.
.
[بحث الألفاظ]
.
أولًا- تركيب ﴿مِنۢ بَیۡنِ﴾:
فهو تركيب يفيد الانتقاء والتحديد والاختيار من وسط مجموعة، وله استخدامات عديدة في القرءان تؤكد هذا المعنى، كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمۡ فِی ٱلۡأَنۡعَـٰمِ لَعِبۡرَةࣰۖ نُّسۡقِیكُم مِّمَّا فِی بُطُونِهِۦ مِنۢ بَیۡنِ فَرۡثࣲ وَدَمࣲ لَّبَنًا خَالِصࣰا سَاۤىِٕغࣰا لِّلشَّـٰرِبِینَ﴾ [النحل ٦٦]، وقوله تعالى: ﴿أَءُنزِلَ عَلَیۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَیۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِی شَكࣲّ مِّن ذِكۡرِیۚ بَل لَّمَّا یَذُوقُوا۟ عَذَابِ﴾ [ص ٨].
وربما يحمل التركيب على الخروج من أمرين، فـ (فيخرج من بين كذا وكذا) أي: يخرج منهما، ولكنه خِلاف الأصل، وإن ذكره الطبري، لذا قال ابن القيم: "ولم يقل يخرج من الصلب والترائب، فلا بد أن يكون ماء الرجل خارجًا من بين هذين المختلفين كما قال في اللبن: ﴿مِن بَيْنِ فَرْثٍ ودَمٍ﴾ [النحل: ٦٦]"
.
ثانيًا- ﴿ٱلتَّرَاۤىِٕبِ﴾:
فقد تكلم المفسرون فيها على أقوال كما قال الطبري: "واختلف أهل التأويل في معنى الترائب وموضعها":
الأول: موضع القلادة من صدر المرأة، وهو القول المأثور عن ابن عباس، وهو ضعيف لأجل عطية العوفي.
الثاني: بين الثديين، وهو مأثور عن ابن عباس، وهو ضعيف لأجل أبي صالح. وكذلك عن عكرمه، وهو صحيح.
الثالث: الصدر بعموم، وهو المأثور عن ابن زيد، وهو صحيح، وكذلك عن سعيد بن جبير وأبي عياض، وهو ضعيف عنهما لأجل يحيى بن يمان.
الرابع: اليدان والرجلان والعينان، وهو مأثور عن ابن عباس أيضًا، وهو ضعيف لأجل الطوفي، وكذلك عن الضحاك، وهو ضعيف لأجل محمد بن حميد.
الخامس: أعلى الصدر خصيصى، وهو المأثور عن مجاهد (ما بين المنكبين والصدر-أسفل من التراقي)، وهو ضعيف لأجل يحيى بن يمان وثوير بن أبي فاختة، وكذلك عن قتادة (من بين صلب الرجل ونحره- أسفل من التراقي)، وهو صحيح، وكذلك عن سفيان (فوق الثديين)، وهو ضعيف لأجل محمد بن حميد.
السادس: الأضلاع، وهو مأثور عن سعيد بن جبير، وهو ضعيف لأجل يحيى بن يمان. كما صحَّ عن ابن عباس: "{الصلب} هو الصلب، {والترائب} أربعة أضلاع من كل جانب من أسفل الأضلاع"، وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
السابع: عصارة القلب، وهو مأثور عن أبي حبيبة المدني، وهو ضعيف لأجل أبي صالح.
.
فلا يصح من ذلك شيء -بأسانيد الطبري خصيصى- إلا ما أثر عن عكرمة أن الترائب ما بين الثديين، وعن ابن زيد بأنها الصدر، وما أثر عن قتادة بأنها بين صلب الرجل ونحره، وصحَّ عند الحاكم عن ابن عباس أنها الأضلاع.
وأنت تلاحظ أنهم اختلفوا في تعيين موضعها كما ذكر الطبري، فلا اتفاق على تخصيصها بأعلى الصدر، فمنهم من عممَّ ومنهم من جعلها بين الثديين ومنهم من جعلها فوقهما بأعلى الصدر، ومنهم من نصَّ على الأضلاع، وذا اكتفاءً بما صح، مع أن الضعيف هنا مفيدٌ لكونه نقلٌ لما تداوله المتقدمون لغةً صحَّ أو لم يصح لأصحابه، مما يفيد اتساع اللغة لتشمل أضلاع الصدر كلها، وإنما كان أعلى الصدر هو أشهر المواضع في استعمالها لأنه ما يظهر من المرأة حال الغزل، فلا تظهر بقية أضلاعها إلا بعريٍ تام، وأكثر تغزل الشعراء بالظاهر.
وكذلك اختلفوا في عودها على المرأة أو الرجل كما قال الطبري: "وقال آخرون: معنى ذلك، أنه يخرج من بين صلب الرجل ونحره". فلا إجماع هنالك، ولكن اشتهر استعمالها في المرأة لأنه موضع غزلٍ منها، كغيرها من الأوصاف المشتركة التي اشتهر ذكرها في وصف المرأة دون الرجل والعكس، فلا دليلَ إذن أن المراد بالآية خصوص المرأة مع احتمال اللفظ، ولا أن المفسرين خصوها بذلك، إذ قد يُحمَل تفسيرهم على الإشارة لما اشتهر في استعمالها للبيان.
إذن تخصيص الترائب بالمرأة وبأعلى الصدر تحكمٌ لا تفيده اللغة بمحضها، لا سيما مع الخلاف القديم، فضلًا عن أن تقطع به، وإن كان الأشهر إرادة أعلى صدر المرأة في شعر العرب الغزلي، وهو الذي رجح لأجله الطبري، ولكن ليس السياق هنا سياق غزلٍ كالذي في أكثره هذا الاستعمال، ليكون راجحًا بمجرد شيوعه في شعرهم.
.
ثالثًا- ﴿الصلب﴾ و﴿الماء الدافق﴾:
أما الصلب، فهو العمود الفقري للإنسان، وليس محل نزاعٍ ليُفَصَّل. وكذلك الماء الدافق خارجٌ من النزاع، حال تنبيهنا إلى أنه ليس النطفة أو الحيوان المنوي كما تكلَّف البعض.
.
[تفسير الآية]
.
أما تفسير الآية كُلًا فتابعٌ للتالي:
1- لعود الضمير المستتر في ﴿يخرج﴾، أهو الماء الدافق، أم الإنسان، كما ذكر ابن عطية.
2- لمن تضاف ﴿الترائب﴾، الرجل أم المرأة، وهو خلاف شهير، ورجح ابن القيم الأول.
.
وأنت ترى بأن الآية تحتمل كل هذا، دون إجماعٍ مُقيِّد أو أثرٍ مُبَيِّن، وهي تفيدنا أربعة احتمالات منطقية، أشفعِّها بمعناها الإجمالي:
.
أ- فهي عن الماء الدافق وأنه يخرج من بين صلب الرجل وترائبه:
وذا مقبولٌ إن أريد أن لما بين صلب الرجل وترائبه مدخلية في خروج السائل، وقد يُعتَقَدُ إيمانيًا وإن لم يثبت فيه طبًا شيء، وقد يُعضَّد طبيًا كما يأتي.
ب- أو عن الماء الدافق وأنه يخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة:
وذا مقبولٌ إن أريدت الإشارة لخروجه حال اجتماع الرجل والمرأة في الجماع، فالصلب كناية عن الرجل والترائب عن المرأة.
ج- أو عن الإنسان وأنه يخرج من بين صلب الرجل وترائبه:
وذا مقبولٌ إن أريد أصل الإنسان -السائل- ويكون كقوله تعالى: ﴿وَحَلَـٰۤىِٕلُ أَبۡنَاۤىِٕكُمُ ٱلَّذِینَ مِنۡ أَصۡلَـٰبِكُمۡ﴾ [النساء ٢٣].
د- أو عن الإنسان وأنه يخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة:
وذا مقبولٌ إن أريد أصل الإنسان كـ (ج) وخروجه كـ (ب).
.
وهناك وجوه أكثر إن احتملنا الخلاف في: لمن يُضافُ الصُلب، الرجل أو المرأة، وهو محتمَلٌ لغةً، ولا يكدره عندي إلا عدم الخلاف القديم، ولكنه محتملٌ لعدم الإجماع أيضًا، والوجه الوحيد المقبول إن احتُمِل إرجاع الصُلب للمرأة: ه- أن يكون خروج الإنسان من بين صلب المرأة وترائبها، وذا مشاهدٌ بالولادة.
أما الخلاف في الماء الدافق، أي المدفوق، هل المراد به ماء الرجل خصيصى، أو حال اجتماعه بماء المرأة؟ فالأصل هو الأول لوصفه بأنه دافق، ولا يؤثِّرُ الخلاف فيه على شيء من الوجوه، إلا أن يعود الضمير في ﴿يخرج﴾ إلى الماء الدافق للرجل، وأنه يخرج من بين صلب المرأة وترائبها، فذا ظاهرُ الغلط وتعلم العرب ضرورةً غلطه.
.
وتأمل صواب الوجوه المذكورةِ جميعًا لغةً ومآلا، إذ التفسير المطابق والجامع لكل الاحتمالات دون زيادة لـ ﴿یَخۡرُجُ مِنۢ بَیۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَاۤىِٕبِ﴾: "أن خروج الإنسان أو السائل كائنٌ من أمرٍ أو أمورٍ من بين عمود الرجل الفقري وصدر الرجل أو المرأة".
فهو القدر المفهوم لغويًا، وأيُّ زائدٍ فلا شأن للآية به وما هو إلا اجتهاد من قائله.
.
وبهذا عَلِمَ سقوط كل ما يُقال في الطعن على هذه الآية، إذ هذا القدر لا ينازع فيه أحد، فما بين الصلب والترائب ما لا يحصى مما لا يكون ولدٌ أو ماءٌ دافقٌ إلا به، وذا معلومٌ طبًا وبما يدركه غير الطبيب.
فإن ثبت طبًا أن لما بين صلب الرجل وترائب الرجل أو المرأة، علقة بنشأة الإنسان، أو لما بينهما علقةٌ بنشأة الماء الدافق، فذا تأكيد لما هو معلومٌ ابتداءً. أما علقة ما بينهما من أمورٍ بنشأة الإنسان، فذا معلومٌ بالضرورة ولا يحتاج طبًا ولا غيره.
.
أما الذي لا تقوله الآية بالضرورة:
أ- فهي لا تجعل الماء الدافق خارجًا من الصلب أو من الترائب بل من شيء أو أشياء من بينهما، كما لا يخرج اللبن من الفرث أو الدم. ومن قال: يخرج منهما، فخالف الأصل.
ب- ولا تذكر الحيوان المنوي أو النطفة، بل تذكر الماء (السائل) الدافق.
ج- وليست تفيد حتى علقة الصلب أو الترائب بالخروج، فلو لم يكن لهما أدنى مدخلية ما ضرَّ ذلك شيئا.
د- كما لا تفيد أن الخارج باقٍ على صورته الأصلية، أليس قد فهموا قوله {وتستخرجوا منه حلية} و{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده} و{يخرج الحي من الميت} و{أخرجكم من بطون أمهاتكم} وأن شيئا منها لا يعني أن الخارج كان من البداية على صورته الأخيرة بعد الخروج؟ فلم يكن الخارجُ حليةً ولا زينة ولا حيًا ولا رجلًا مكتملًا في أصل خروجه؟ بل تقلَّبَ حتى آل لحاله الأخيرة في الخارج؟ فالخروج إذن متعلق بالنشأة والموقع والعلقة بما بين صلب الرجل وترائبه أو ترائب المرأة، ومائه الدافق، أو نشأة الإنسان بعموم.
هـ- كما لا تفيد أن الخارج مختصٌ بمؤثرٍ معين، لنفس الآيات السابقة، فالحلية لا يؤثر في خروجها البحر فقط، بل تؤثر فيها أمورٌ كثيرةٌ في البحر أيضًا، ولكن الإشارة لموقع ما يؤثر في الخروج لا أكثر.
.
[الموافقة العلمية]
.
فإذا تبينت الاحتمالات كلها، وصوابيتها جميعًا كيفما اتجهت، وما تقوله الآية ولا تقوله، لم يعد الباقي من هذا البحث إلا نفلًا، لذا نعرض إشارةً عِلمية لا يمنعها إلا تخصيص الترائب بأعلى الصدر دون بقية الأضلاع، وبالمرأة دون الرجل، وقد بيَّنا عدم لزوم ذلك للخلاف بين المتقدمين واحتمال اللغة من غير تمحُّل:
.
1. المنشأ الجنيني للغدد التناسلية
في الأسابيع الأولى من عمر الجنين، يبدأ تكون الغدد التناسلية (المناسل). ولا يكون ظهورها الأول في مكانها النهائي المعروف (كيس الصفن للرجل أو الحوض للمرأة)، بل تتكون في منطقة تسمى "الحدبة التناسلية" (Genital Ridge). وتقع هذه الحدبة التناسلية في الجزء العلوي من بطن الجنين، بجوار الكلى الأولية، في موقع يتطابق مع ما سيكون "بين الصلب والترائب"؛ أي بين العمود الفقري في الخلف وأسفل القفص الصدري. وبعد تكونها في هذه المنطقة العلوية، تبدأ الغدد التناسلية هجرتها إلى مكانها الدائم. أما الجنين الذكر: فتبدأ خصيته بالنزول تدريجيًا من موقعها، مرورًا بالقناة الإربية، لتصل إلى كيس الصفن خارج الجسم قبيل الولادة. وفائدة النزول هذا توفير درجة حرارة أقل من حرارة الجسم، وهي الدرجة المثالية لإنتاج الحيوانات المنوية. وأما الجنين الأنثى: فينزل مبيضها أيضًا من موقعه الأصلي، ليستقر في منطقة الحوض.
.
2. التغذية الدموية والعصبية وبقاء الأصل
رغم هجرة الخصية والمبيض إلى مكان أبعد عن منشئهما الأصلي، إلا أن "شريان الحياة" الذي يغذيهما بالدم والأعصاب يبقى مرتبطًا بموقع النشأة الأولى. فالشريان الخصوي (Testicular Artery) وهو الشريان الرئيس الذي يغذي الخصية بالدم والأكسجين لا ينشأ من منطقة الحوض أو أسفل البطن، بل ينشأ من الشريان الأبهر البطني (Abdominal Aorta) عند مستوى الفقرة القطنية الثانية (L2)، وهي منطقة "بين الصلب والترائب". ثم يقطع هذا الشريان رحلته إلى الأسفل ليصل إلى الخصية في كيس الصفن.
وبعمومٍ فإن الأوردة التي تصرف الدم، والأعصاب التي تتحكم في وظيفة الخصية والمبيض، تعود جميعها إلى نفس المنطقة الأصلية في أعلى البطن، بين العمود الفقري والأضلاع.
.
فذا ما يمكن أن يُقال، لا على جهة الإعجاز العلمي، وإنما لإبطال الطعن لا أكثر، وعلى سبيلِ التنزّلِ بأن الآية تشيرُ لأمرٍ علمي إضافي لا لمعنى بلاغي محض، بأننا حتى لو حملنا الآية على معنى لغوي مطابقي، فلا شيء في العلم يكدرها.
والأظهر أن الآية جاءت لنكتٍ بلاغسة ظاهرة، ولغاية بيان كون الإنسان مهين الأصل والنشأة، وأن القادر على إخراجه من هذه الأصول (الماء الدافق، من بين عظام الرجل أو الرجل والمرأة)، قادرٌ على رجعه من باب أولى.
.
[مسلك الطعن]
.
أما المخالف، فلا يستقيم طعنه إلا إلا بأحد مسلكين:
1- إثبات أن الخروج يكون من الصلب والترائب لا من بينهما، مخالفًا نص الآية، ليكون خروج الماء الدافق من الصلب نفسه، وحده أو مع الترائب، ثم أن يكون الخروج بمعنى ظهور الماء أولًا كما هو آخرًا، لا أن يكون له منشأ منهما على حالةٍ وأصلٍ ليتكوَّن ويصير آخرًا ماءً دافقا، عندها تخالف الآية العلم.
2- القطع بأن الترائب لا تعود إلا للمرأة، ثم القطع بأنها لا تكون إلا أعلى الصدر، ثم منع كونها كنايةً عن المرأة كُلًا قطعًا، ليكون خروج الإنسان من المرأة مخالفًا علميًا، وللقول بأن لا شأن لخروج الإنسان من حملٍ أسفل الصدر بأعلاه.
.
فلا مطعَن يُعتَبَر حتى يتجاوز المخالف هذه المراتب كلها، وترى ما في ارتقائها من استحالة بعدَ ما بيَّناه.
.
[ختامًا]
.
قد عرف العرب تركيب {أبنائكم الذين من أصلابكم} دون ربط الأمر بالطب التجريبي السطحي والإعجاز العلمي التمحلي، فهو استعمالٌ شائع فيهم لبيان مرجع الابن وعلقته بأبيه. ولم يمنع هذا الاستعمالَ العربيَ علمُهُم بمركزية الخصيتين وأثر الاختصاء الذي كانوا يصنعونه في الحيوانات والعبيد. ولعل ذكر الأصلاب من بقايا أهل الكتاب ودين إبراهيم فيكون لهذا أصل سماوي، لا سيما ونحن نعرف قصة استخراج بني آدم من ظهر أبيهم دون ماء دافق وصاحبة، فتكون للإنسان علقة غيبية بصلب أبيه يعرفها العرب ثم زادوا عليها أو نقصوا، ولا يضر ما زادوه أو نقصوه، هم أو من بعدهم من المفسرين، إذ العبرة بالمدلول اللغوي الذي اشتركوا فيه، لا بما زيد عليه من معارف العصر.
وهل يكفي ذو الصلب لإنجاب الولد؟ أم لا بد من ذوات الترائب؟ واللاتي خلقت أمُّ جِنسِهِن من ضلع آدم؟ أليس اشتهار استعمال هذا اللفظ للنساء كاف في إرادتهن بتكنيةٍ يفهما المخاطب الذي فهم "ترائبها مصقولة كالسجنجل"؟
فيخرج من رجلٍ وامرأةٍ وكفى. وإن شئت زدت علقة غيبية لما بين الصلب والترائب تُنَبِّهُ لكون الإنسان لا يعلم كل ما مِنهُ خلق، من مشاهدٍ وغائب، وما يعلمه ضئيل مهين، في حين أن القادر على جعل العظام الصلبة وما بينها ذات مدخلية في الماء الدافق، العالم بكل ذلك المدبر له كله ﴿على رجعه لقادر﴾.
فإن أبيت إلا الزيادة، فانظر من أين يستهل الإنسان صارخا، أليس يخرج من موضعٍ هو بين صلبٍ على فراش الولادة وترائب ترتجف من ألمها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق