الثلاثاء، 13 يناير 2015

التصريحات البخارية في إثبات الأفعال الاختيارية وأنها حادثة غيرمخلوقة خلافًا للجهمية




إن أوضح من أثبت الأفعال الحادثة الغير مخلوقة لله بما لا يمكن تأويله= الإمام البخاري رحمه الله، بل إنه زاد على ذلك بأن بين موقفه من المقالة المخالفة لما قرره، فنسبها إلى الجهمية، فقال أولًا في كتاب التوحيد من صحيحه:
"باب قول الله تعالى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) وقوله سبحانه (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) وقوله تعالى: (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين؛ لقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وقال ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة)"
التعليق: الحظ أن البخاري ذكر كلامه هذا في كتاب التوحيد، ثم إنه فرّق بين حدث الله وحدث المخلوقين، فإن كان حدث الله مخلوقًا كذلك لما وجد فرق، بل يكون حدث المخلوقين هو هو حدث الله لكون أفعال العباد مخلوقة، وهذا فهم ظاهر لا يُنالُ بتأويل، وقد فهم هذا حتى القائلون بقول المتكلمين، بل ردوا على البخاري!
قال بدر الدين العيني الحنفي في عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج36 ص216: "فأثبت أنه محدث وهو من صفاته ولم يزل سبحانه وتعالى بجميع صفاته، وقال ابن التين هذا منه عظيم، واستدلاله يرد عليه لأنه إذا كان لم يزل بجميع صفاته وهو قديم فكيف تكون صفته محدثة وهو لم يزل بها، إلا أن يريد أن المحدث غير المخلوق، كما يقوله البلخي ومن تبعه، وهو ظاهر كلام البخاري، حيث قال: وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين، فأثبت أنه محدث، ثم قال الداودي نحو ما ذكره في شرح قول عائشة (ولشأني أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى) قال الداودي: فيه أن الله تعالى تكلم ببراءة عائشة حين أنزل فيها، بخلاف بعض قول الناس أنه لم يتكلم، وقال ابن التين أيضا هذا من الداودي عظيم لأنه يلزم منه أن يكون الله متكلما بكلام حادث فتحل فيه الحوادث"
---------------------------------
وقال كذلك في كتاب التوحيد من صحيحه أيضًا:
" باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها من الخلائق وهو فعل الرب تبارك وتعالى وأمره فالرب بصفاته وفعله وأمره وكلامه وهو الخالق المكون غير مخلوق وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكون"
التعليق: هنا تصريح البخاري أن الله بصفاته وفعله وأمره وكلامه غير مخلوق، فالفعل عنده ليس بمخلوق، فلا يصح عنده أن يقال: الخلق هو المخلوق، إذ ليس فعل الخلق عند البخاري مخلوقًا، بل يصرح بالتفريق وأن ما يكون بتخليقه هو المخلوق لا نفس التخليق، وهذا شبيه بما سيأتي من كتابه خلق أفعال العباد.
---------------------------------
وقال في كتابه (خلق أفعال العباد):
"فالمقروء هو كلام الرب الذي قال لموسى: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني}، إلا المعتزلة، فإنهم ادعوا ان فعل الله مخلوق، وأن أفعال العباد غير مخلوقة! وهذا خلاف علم المسلمين"
وقال في الكتاب نفسه ونقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري:
"اختلف الناس في الفاعل والفعل والمفعول، فقالت القدرية: الأفاعيل كلها من البشر، وقالت الجبرية: الأفاعيل كلها من الله، وقالت الجهمية: الفعل والمفعول واحد، ولذلك قالوا (كن) مخلوق، وقال السلف: التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة ، ففعل الله صفة الله والمفعول من سواه من المخلوقات"
التعليق: فتأمل، من يقول اليوم بقول الجهمية بأن الفعل هو المفعول، وأن (كن) مخلوقة، وأنه ليس له فعل يقوم به لامتناع قيام الحوادث -باصطلاحهم-؟ ومن في المقابل يقول بقول البخاري، بأن الفعل صفة الله قائم بذاته غير مخلوق؟ ولا يصح ما فهمه ابن حجر من أن البخاري بتفريقه وبقوله أن الخلق يكون بـــ (كن) أراد مقالة الماتريدية، فإن البخاري يثبت حدثًا غير مخلوق كما بينا في النقل الأول، والماتريدية لا تثبت التكوين حدثًا، ثم إن الماتريدية يقولون بمخلوقية الكلام اللفظي كالأشاعرة، في حين ينسب البخاري القول بمخلوقية (كن) إلى الجهمية. وأخيرًا؛ يمتنع أن يريد البخاري بالفعل غير المخلوق هنا فعلًا قديمًا، لأن (كن) التي يكون بها التخليق ليست قديمة، فالنون بعد الكاف، والكلام اللفظي لا يكون قديمًا عقلًا خلافًا للسالمية والإيجي والشهرستاني والشيخ عبدالكريم المدرس ومن قد وافقهم، والقول بأن البخاري قائل بقولهم بعيد بعدَ ما قررناه من إثباته لله حدثًا وفعلًا غير مخلوقين، وكلاهما بمعنى لغةً وعقلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق